فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الثانية: [في معنى الخون]:

قال صاحب الكشاف: معنى الخون النقص.
كما أن معنى الوفاء التمام.
ومنه تخونه إذا انتقصه، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء.
لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه.

.المسألة الثالثة: في قوله: {وَتَخُونُواْ أماناتكم}:

وجوه: الأول: التقدير {وَلاَ تَخُونُواْ أماناتكم} والدليل عليه ما روي في حرف عبد الله: {وَلاَ تَخُونُواْ أماناتكم} الثاني: التقدير: لا تخونوا الله والرسول، فإنكم إن فعلتم ذلك فقد خنتم أماناتكم، والعرب قد تذكر الجواب تارة بالفاء، وأخرى بالواو، ومنهم من أنكر ذلك.
وأما قوله تعالى: {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} فيه وجوه:
الأول: وأنتم تعلمون أنكم تخونون يعني أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو.
الثاني: وأنتم علماء تعلمون قبح القبيح، وحسن الحسن. اهـ.

.قال السمرقندي:

{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول}
روى أسباط عن السدي قال: كانوا يسمعون من النبي عليه السلام الحديث، فيفشونه حتى يبلغ المشركين، فنهاهم الله تعالى عن ذلك فقال: {تَشْكُرُونَ يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول}.
ويقال كل رجل مؤتمن على ما فرض الله عليه، إن شاء أداها، وإن شاء خانها.
وقال القتبي: الخيانة أن يؤتمن على شيء فلا يؤدي إليه.
ثم سمّى العاصي من المسلمين خائنًا، لأنه قد ائتمن على دينه فخان.
كما قال في آية أخرى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فالن باشروهن وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ وَكُلُواْ واشربوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود مِنَ الفجر ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل وَلاَ تباشروهن وَأَنتُمْ عاكفون فِي المساجد تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا كذلك يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187]، ويقال: نزلت الآية في أبي لبابة بن عبد المنذر، حين أشار إلى بني قريظة أن لا ينزلوا على حكم سعد وأشار إلى حلقه إنه الذبح.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني قريظة من بعد انصرافهم من الخندق، ووقف بباب الحصن وفيه ستمائة رجل من اليهود، وقد كانوا ظاهروا قريشًا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداهم: «يَا إخْوَةَ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ، انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ الله وَرَسُولِهِ».
فقالت اليهود: يا محمد، ما كنت فحّاشًا قبل هذا.
فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة بن عبد المنذر، فدخل على اليهود فركبوا إليه وقالوا يا أبا لبابة، أتأمرنا بالنزول إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
فأشار بيده إلى حلقه، يعني إنه الذبح إن نزلتم إليه.
فقال أبو لبابة: والذي نفسي بيده، ما زالت قدماي من مكاني، حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله؛ وأوثق نفسه إلى سارية المسجد، حتى أنزل الله تعالى توبته ونزل: {يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول}.
{وَتَخُونُواْ أماناتكم}، يعني لا تخونوا أماناتكم.
{وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} أنها خيانة.
قال محمد بن إسحاق: {لاَ تَخُونُواْ الله والرسول} يعني لا تظهروا له من الحق ما يرضى عنكم ثم تخالفوه في السر.
قال: فإن ذلك هلاكًا لأنفسكم وخيانة لأماناتكم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول}
قال عطاء ابن أبي رباح: حدّثني جابر بن عبد الله أن أبا سفيان خرج من مكّة فأتى جبرئيل (عليه السلام) النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ أبا سفيان في مكان كذا وكذا.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إنّ أبا سفيان في مكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا قال: فكتب رجلا من المنافقين إليه أن محمدًا يريدكم فخذوا حذركم فأنزل الله تعالى الآية.
وقال السدي: كانوا يسمعون الشيء من النبيّ صلى الله عليه وسلم فيفشونه حتّى بلغ المشركين.
وقال الزهري والكلبي: نزلت هذه الآية في أبي لبابة واسم أبي لبابة هارون بن عبد المنذر الأنصاري من بني عوف بن مالك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوا رسول الله الصلح على ما صالح عليه إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام فأبى أن يعطيهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر وكان مناصحًا لهم، لأن عياله وماله وولده كانت عندهم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقالوا: يا أبا لبابة ما ترى أنزل على حكم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بيده إلى طقه أنّه الذبح فلا تفعلوا.
قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي من مكانهما حتّى عرفت أن قد خنت الله والرسول فلمّا نزلت هذه الآية شد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتّى أموت أو يتوب الله عليّ فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعامًا ولا شرابًا حتّى خرّ مغميًّا عليه ثمّ تاب الله عليه، فقيل له: يا أبا لبابة قد تُبت عليك.
قال: لا والله لا أحلّ نفسي حتّى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلّني فجاءه فحله بيده، ثمّ قال أبو لبابة: إن مَنْ تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب. وأن أنخلع من مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجزيك الثلث إن تصدقت».
فقال المغيرة بن شعبة: نزلت هذه الآية في قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قال محمد بن إسحاق: معنى الآية لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم ثمّ تُخالفونه في السر إلى غيره.
وقال ابن عباس: لا تخونوا الله بترك فرائضه، والرسول بترك سنته، وتخونوا أماناتكم.
قال السدي: إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم.
وعلى هذا التأويل يكون قوله (ويخونوا) نصبًا على جواب النهي.
والعرب تنصب جواب النهي وقالوا كما ينصب بالفاء.
وقيل: هو نصب على الصرف كقول الشاعر:
لا تنهى عن خلق وتأتي مثله ** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

وقال الأخفش: هو عطف على ما قبله من النهي، تقديره: ولا تخونوا أماناتكم.
وقرأ مجاهد: أمانتكم واحدة. واختلفوا في هذه الآية فقال ابن عباس: هو ما يخفي عن أعين الناس من فرائض الله عزّ وجلّ والأعمال التي ائتمن الله عليها العباد يقول لا تنقضوها.
وقال ابن زيد: معنى الامانات هاهنا الدين وهؤلاء المنافقون ائتمنهم الله على دينه فخانوا، إذ أظهروا الإيمان وأسرّوا الكفر.
قال قتادة: إنّ دين الله أمانة فأدّوا إلى الله ما ائتمنكم عليه من فرائضه وحدوده. ومَنْ كانت عليه أمانة فليردّها إلى مَنْ أئتمنه عليها. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَآمَنُواْ لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}
فيه قولان:
أحدهما: لا تخونوا الله سبحانه والرسول عليه السلام كما صنع المنافقون في خيانتهم، قاله الحسن والسدي.
والثاني: لا تخونوا الله والرسول فيما جعله لعباده من أموالكم.
ويحتمل ثالثًا: أن خيانة الله بمعصية رسوله، وخيانة الرسول، بمعصية كلماته.
{وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: فيما أخذتموه من الغنيمة أن تحضروه إلى المغنم.
الثاني: فيما ائتمن الله العباد عليه من الفرائض والأحكام أن تؤدوها بحقها ولا تخونوها بتركها.
والثالث: أنه على العموم في كل أمانة أن تؤدى ولا تخان.
{وَأَنتُم تَعْلَمُونَ} فيه قولان:
أحدهما: وأنتم تعلمون أنها أمانة من غير شبهة.
والثاني: وأنتم تعلمون ما في الخيانة من المأثم بخلاف من جهل.
قال الكلبي ومقاتل: نزلت هذه الآية في أبي لُبابَة بن عبد المنذر أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لنزلوا على حكم سعد فاستشاروه وكان قد أحرز أولاده وأمواله عندهم فأشار عليهم أن لا يفعلوا وأومأ بيده إلى حلقة أنه الذبح فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُم فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}
هذا خطاب لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة، وهو يجمع أنواع الخيانات كلها قليلها وكثيرها، قال الزهراوي: والمعنى لا تخونوا بغلول الغنائم، وقال الزهراوي وعبد الله بن أبي قتادة: سبب نزولها أمر أبي حبابة، وذلك أنه أشار لبني قريظة حين سفر إليهم إلى حلقة يريد بذلك إعلامهم أنه ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الذبح، أي فلا تنزلوا، ثم ندم وربط نفسه بسارية من سواري المسجد حتى تاب الله عليه، الحديث المشهور، وحكى الطبري أنه أقام سبعة أيام لا يذوق شيئًا حتى تيب عليه، وحكي أنه كان لأبي لبابة عندهم مال وأولاد فلذلك نزلت: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة}، وقال عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله: سببها أن رجلًا من المنافقين كتب إلى أبي سفيان بن حرب بخبر من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية، فقوله: {يا أيها الذين آمنوا} معناه أظهروا الإيمان، ويحتمل أن يخاطب المؤمنين حقًا أن لا يفعلوا فعل ذلك المنافق، وحكى الطبري عن المغيرة بن شعبة أنه قال: أنزلت هذه الآية في قتل عثمان رضي الله عنه.
قال القاضي أبو محمد: يشبه أن تمثل بالآية في قتل عثمان رحمه الله، فقد كانت خيانة لله وللرسول والأمانات، والخيانة التنقص للشيء باختفاء وهي مستعملة في أن يفعل الإنسان خلاف ما ينبغي من حفظ أمر ما، مالًا كان أو سرًّا أو غير ذلك، والخيانة لله تعالى هي في تنقص أوامره في سر وخيانة الرسول تنقص فقد اؤتمن على دينه وعبادته وحقوق الغير، وقيل المعنى وتخونوا ذوي أماناتكم، وأظن الفارسي أبا علي حكاه، {وأنتم تعلمون}، يريد أن ذلك لا يضر منه إلا ما كان عن تعمد، وقوله: {فتنة} يريد محنة واختبارًا وابتلاء ليرى كيف العمل في جميع ذلك، وقوله: {وأن الله عنده أجر عظيم} يريد فوز الآخرة فلا تدعوا حظكم منه للحيطة على أموالكم وأبنائكم فإن المدخور للآخرة أعظم قدرًا من مكاسب الدنيا.
وقوله تعالى: {وتخونوا} قال الطبري: يحتمل أن يكون داخلًا في النهي كأنه قال: لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم فمكانه على هذا جزم، ويحتمل أن يكون المعنى لا تخونوا الله والرسول فذلك خيانة لأماناتكم فموضعه على هذا نصب على تقدير وأن تخونوا أماناتكم، قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ** عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ

وقرأ مجاهد وأبو عمرو بن العلاء فيما روي عنه أيضًا {وتخونوا أمانتكم} على إفراد الأمانة. اهـ.